الملكة زنوبيا
في قلب الصحراء... نهضت امرأة، لا كسائر النساء.
جمعت بين الحكمة والقوة، بين الجمال والدهاء...
تحدّت جيوش الرومان، ورفعت راية التمرد فوق أسوار تدمر.
لكن... التاريخ لا يرحم!
في مشهد مهيب، سارت ملكة الصحراء مكبلة بالسلاسل، تمشي بين صيحات المنتصرين في شوارع روما.
فمن هي زنوبيا؟ وما سر هذه الملكة التي أرهبت الإمبراطوريات؟!
تعالوا نغوص معًا في حكاية... لا تُنسى."
ي قلب بادية الشام، وفي مدينة تدمر العظيمة، ولدت زنوبيا — المرأة التي ستصبح رمزًا
خالدًا للقوة والطموح.
اسمها الحقيقي كان "بت زباي"، لكنها عُرفت في التاريخ بلقب ملكة تدمر، إحدى أشهر
الملكات اللاتي تحدين الإمبراطورية الرومانية في أوج قوتها.
* بدايات ملكة تدمر
كانت زنوبيا تتمتع بجمال لافت، ذكاء حاد، وثقافة واسعة؛ فقد تحدثت العديد من اللغات
كالآرامية، واليونانية، واللاتينية، وحتى المصرية القديمة.
عندما تزوجت من أذينة، ملك تدمر، أصبحت شريكته في الحكم. وبعد اغتياله الغامض
سنة 267م، تولت زنوبيا الوصاية على ابنها الصغير وهب اللات، لكنها لم تكن وصية
عادية... بل كانت حاكمة فعلية!
* توسع مملكة تدمر
في سنوات قليلة، وسعت الملكة زنوبيا نفوذها بشكل مذهل.
سيطرت على مناطق واسعة من سوريا، فلسطين، مصر، وأجزاء من آسيا الصغرى، حتى
أصبحت مملكتها تهدد كيان الإمبراطورية الرومانية نفسها.
كانت تدمر في عهد زنوبيا مدينة ذهبية نابضة بالحياة، تجمع بين ثقافة الشرق والغرب،
وتزدهر بالتجارة والفنون والعمارة.
* المواجهة مع روما
لم تتحمل روما هذا التوسع الطموح.
ففي زمن الإمبراطور أورليانوس، قرر الرومان سحق تمرد تدمر.
قاد أورليانوس جيوشه بنفسه نحو الشرق، وبعد عدة معارك طاحنة، اضطر جيش زنوبيا
إلى الانسحاب.
وفي النهاية، حوصرت الملكة زنوبيا داخل أسوار تدمر.
* سقوط تدمر ونهاية ملكة الصحراء
حاولت زنوبيا الهرب باتجاه نهر الفرات، لكنها أُسرت قبل أن تصل إلى الملاذ الآمن.
اقتيدت مكبلة بالسلاسل الذهبية إلى روما، حيث عرضها أورليانوس في موكب النصر
المهين سنة 274م.
تختلف الروايات حول مصيرها بعد ذلك:
-
بعض المصادر تقول إنها أُعدمت.
-
والبعض الآخر يقول إنها عاشت حياة رغدة في فيلا فاخرة بضواحي روما، بعيدًا عن الحكم والسياسة.
* إرث زنوبيا الخالد
رغم سقوطها، ظلت الملكة زنوبيا أسطورة تتناقلها الأجيال.
لقد ألهمت قصتها الشعراء والمؤرخين والفنانين، وأصبحت رمزًا للمرأة القوية التي ترفض
الخضوع حتى في أحلك اللحظات.
قصتها تذكرنا دائمًا بأن الطموح قد يرفعنا فوق الغيوم، لكنه قد يعرضنا لأعنف العواصف!
* عظمة تدمر تحت حكم زنوبيا
لم تكن تدمر في عهد الملكة زنوبيا مجرد مدينة عادية؛
بل تحولت إلى عاصمة لإمبراطورية مزدهرة، تجمع بين عراقة الشرق وسحر الغرب.
بفضل موقعها الاستراتيجي على طريق التجارة بين الشرق والغرب،
أصبحت تدمر مركزًا اقتصاديًا ضخمًا يفيض بالثروات والذهب.
تبنت زنوبيا في حكمها سياسة ذكية:
-
شجعت الفنون والعلوم.
-
رعت الأدباء والفلاسفة.
-
بنيت المعابد والقصور الضخمة، مثل معبد بل الشهير.
-
فرضت الضرائب على القوافل الرومانية المارة، مما زاد من قوة اقتصاد تدمر.
كانت الملكة زنوبيا تحلم بإقامة إمبراطورية شرقية عظيمة تنافس الإمبراطورية الرومانية.
ولم تكن هذه الأحلام مجرد خيال، بل كانت تتحقق أمام أعين العالم.
* التوتر مع روما... بداية النهاية
بعد أن ضمت زنوبيا أراضي واسعة مثل مصر، غضبت روما بشدة.
الإمبراطور أورليانوس، الذي كان يسعى لإعادة هيبة روما، اعتبر تمدد زنوبيا تهديدًا
مباشرًا.
بدأت روما حملتها لاستعادة السيطرة:
-
أولًا: أرسل أورليانوس رسائل تحذيرية تطلب من زنوبيا الاعتراف بسيادة روما.
-
لكن الملكة القوية رفضت بعزة وإباء.
وهكذا اشتعلت الحرب...
قاد أورليانوس جيشه القوي عبر الأناضول وصولًا إلى تدمر.
ورغم بسالة جيوش تدمر، لم يستطيعوا الصمود طويلاً أمام قوة الجيش الروماني النظامي.
في معركة حاسمة، انهارت دفاعات تدمر.
* محاولة الفرار والقبض على زنوبيا
عندما أدركت زنوبيا أن السقوط بات وشيكًا،
حاولت الهروب سرًا مع نخبها عبر الصحراء نحو الفرات، آملة أن تجد دعمًا من الفرس.
لكن قوات أورليانوس كانت أسرع.
ألقي القبض على الملكة زنوبيا قبل عبورها النهر، في مشهد مؤلم يسجله التاريخ.
قيدت زنوبيا بالأغلال الذهبية الثقيلة، واصطحبت إلى روما، حيث كانت تنتظرها نهاية
مختلفة عما كانت تحلم به.
* العرض المهين في شوارع روما
في مشهد مهيب، وقف أهل روما ليروا الملكة الأسطورية، التي تجرأت على تحدي أعتى
إمبراطورية في العالم.
ارتدت زنوبيا ملابس فاخرة مرصعة بالجواهر، لكنها كانت مكبلة بالسلاسل.
سارت خلف مركبة أورليانوس في موكب النصر، كرمز لهزيمة أعداء روما.
ومع ذلك، روى بعض المؤرخين أن زنوبيا حافظت على وقارها وكبريائها، فلم تبكِ ولم
تنهار، بل مشت شامخة الرأس، وكأنها لا تزال ملكة حتى في لحظة الهزيمة!
* المصير الغامض لملكة تدمر
اختلفت الروايات حول نهاية زنوبيا:
-
بعض المصادر تقول إن أورليانوس رقّ لها، وأعطاها حياة مريحة في فيلا فخمة
بضواحي روما، حيث عاشت حتى وفاتها بسلام.
-
وبعض الروايات الأخرى تزعم أنها أُعدمت خنقًا أو بقطع الرأس.
أيا كان مصيرها، فإن الملكة زنوبيا لم تُهزم حقًا في أعين التاريخ.
ظلت رمزًا خالدًا للكرامة والعزة، ولُقبت عبر العصور بـ:
-
"أسطورة الصحراء"
-
"المرأة الحديدية"
-
"ملكة الشرق الجميلة"
قصة الملكة زنوبيا تذكرنا بأن العظمة والطموح قد يرفعان الأمم،
لكن الغرور، والاعتماد فقط على القوة دون التحالفات السياسية، قد يكون بداية الانهيار.
زنوبيا كانت حلمًا مشرقًا أضاء ظلمات الشرق للحظات... ثم خبت شعلته بين أمواج التاريخ العاتية.
بقم /الكاتبة سيدة حسن
إرسال تعليق