-->
U3F1ZWV6ZTIwMjU4MzgxOTMzMTAyX0ZyZWUxMjc4MDczOTA4MzAwOQ==
اعلان

الظاهرة المغناطيسية

الظاهرة المغناطيسية







الظاهرة المغناطيسية 



 لطالما أثارت المغناطيسات فضول البشر عبر القرون، لما تملكه من قدرة غامضة على

 الجذب والتنافر دون حتى أن تلمس الأشياء. فكيف تعمل المغناطيسات بالضبط؟ دعونا

 نكشف هذا السر.

في قلب الظاهرة المغناطيسية تكمن الذرات، وهي اللبنات الصغيرة التي يتكوّن منها كل

 شيء حولنا. كل ذرة في المادة تعمل كمغناطيس صغير، له قطب شمالي وآخر جنوبي،

 وذلك نتيجة لدوران الإلكترونات حول نواة الذرة وحركتها المدارية. في معظم المواد،

 تكون هذه "المغناطيسات الذرية" موجهة في اتجاهات عشوائية، مما يؤدي إلى إلغاء

 تأثيراتها بعضها مع بعض، فلا يظهر للمادة أي سلوك مغناطيسي واضح.

أما في المواد المغناطيسية، فتكمن الخصوصية في أن غالبية هذه المغناطيسات الذرية

 تكون مصطفّة في نفس الاتجاه، مما يُنتج مجالًا مغناطيسيًا صافيًا يمتد إلى خارج المادة،

 ويؤثر في الأجسام المحيطة. لهذا السبب يمكن للمغناطيس أن يجذب المعادن أو حتى

 مغناطيسًا آخر.

من أشهر المواد المغناطيسية عنصر الحديد، والذي يحتوي على مناطق تُعرف باسم

 "المجالات" (Domains). داخل قطعة غير ممغنطة من الحديد، تكون كل مجال عبارة

 عن مجموعة من الذرات ذات اتجاه مغناطيسي موحّد، ولكن المجالات نفسها تكون موجهة

 بشكل عشوائي، مما يُبطل تأثير بعضها. وعندما يُوضع الحديد في مجال مغناطيسي، تبدأ

 تلك المجالات في الدوران لتصطف في اتجاه واحد، مما يجعل الحديد يتحوّل إلى

 مغناطيس.

وهناك نوعان من المغناطيسات: مغناطيس دائم وآخر مؤقت. المغناطيس الدائم، مثل الذي

 نجده على أبواب الثلاجات، يحتفظ بخواصه المغناطيسية لفترة طويلة. أما المغناطيس

 المؤقت، فيُظهر خصائص مغناطيسية فقط أثناء وجوده داخل مجال مغناطيسي، ويزول

 تأثيره بمجرد إزالة هذا المجال.

وسر الجذب والتنافر يكمن في الأقطاب المغناطيسية؛ فالأقطاب المتعاكسة تتجاذب، بينما

 الأقطاب المتشابهة تتنافر. ويُعزى ذلك إلى الحقول المغناطيسية التي تمتد من القطب

 الشمالي إلى القطب الجنوبي في شكل حلقات. وتُستَخدم هذه الظاهرة في تطبيقات عديدة،

 بدءًا من أبسط مغناطيس في المنزل، وصولًا إلى آلات معقدة مثل المحركات والمولدات

 الكهربائية.

لقد أصبحت المغناطيسات ركيزة أساسية في التكنولوجيا الحديثة، وفهمنا لطبيعتها يفتح لنا

 آفاقًا لفهم العديد من العمليات العلمية والصناعية. فمن استخدام البحّارة القدامى لحجر

 المغناطيس (اللُودْسْتُون) في التنقّل، إلى القطارات المغناطيسية الحديثة (Maglev)،

 تواصل المغناطيسات تشكيل عالمنا، كاشفة عن قوى خفية في الطبيعة بطرق فريدة وقوية.

وليس هذا كلّ شيء! فالمغناطيسية لا تقتصر فقط على ما نراه من جذب أو تنافر للأجسام،

 بل تمتدّ لتؤثّر في مجالاتٍ أوسع من حياتنا اليومية والعلمية.

إنّ أحد التطبيقات المذهلة للمغناطيسية يكمن في المولدات الكهربائية. فحينما يدور ملف

من الأسلاك داخل مجال مغناطيسي، أو يدور مغناطيس حول ملف ثابت، تتولّد طاقة

 كهربائية. هذه الظاهرة تُعرف باسم الحثّ الكهرومغناطيسي، وهي التي جعلت من الممكن

 إضاءة المدن وتشغيل المصانع.

كذلك، تُستخدم المغناطيسات في المحركات الكهربائية، حيثُ يتحوّل التيار الكهربائي إلى

 حركة ميكانيكية، كما هو الحال في المراوح، والمكانس الكهربائية، وحتى في بعض

 السيارات.

وفي عالم التكنولوجيا الحديثة، تلعب المغناطيسات دورًا أساسيًّا في أجهزة مثل الأقراص

 الصلبة (Hard Drives)، التي تُسجّل المعلومات وتقرأها باستخدام رؤوس مغناطيسية

 دقيقة، مما يجعل تخزين البيانات واسترجاعها ممكنًا بسرعة وكفاءة.

أما في المجال الطبي، فالتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) يُعدّ واحدًا من أبرز

 استخدامات المغناطيسية. يُستَخدَم في هذا الجهاز مغناطيس قوي جدًّا للكشف عن الأنسجة

 داخل الجسم دون الحاجة إلى جراحة، مما يُسهم في تشخيص الأمراض بدقة وأمان.

والمثير في الأمر أنّ الأرض نفسَها تعمل كمغناطيس ضخم! فلها قطبٌ شمالي وآخر

 جنوبي، ومجالٌ مغناطيسيّ يحيط بها ويُعرف بـ الغلاف المغناطيسي للأرض. هذا الغلاف

 يحمي الكوكب من الجُسيمات المشحونة القادمة من الشمس، والتي تُعرَف باسم "الرياح

 الشمسية". ولولا هذا الغلاف، لتعرّضت الأرض لإشعاعات مدمّرة.

وقد لاحظ البشر هذا المجال منذ العصور القديمة، فاستخدموا البوصلة – وهي إبرة

 مغناطيسية حرّة الحركة – لتحديد الاتجاهات، الأمر الذي ساعد في الملاحة واكتشاف

 العوالم الجديدة.

المغناطيسية، إذًا، ليست مجرد خدعة بسيطة نُشاهدها حين يلتصق مغناطيس بباب الثلاجة،

 بل هي ظاهرةٌ عميقة، تحكم سلوك الذرّات، وتُدير آلاتنا، وتحمي كوكبنا، وتُنير عالمنا.








بقلم /الكاتبة سيدة حسن




تعديل المشاركة Reactions:
author-img

الكاتبه سيده حسن

انا سيدة حسن محررة وكاتبة صحفية وصاحبة تلك المدونة اعشق الكتابة بمعني أدق الورقة والقلم وسماع القصص والحكايات
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة